حظر النقاب في سويسرا.. صعود لتيار اليمين المتطرف أم تدابير لمكافحة الجرائم وحماية الأمن؟

بين المساس بالحريات وحقوق المجتمع

حظر النقاب في سويسرا.. صعود لتيار اليمين المتطرف أم تدابير لمكافحة الجرائم وحماية الأمن؟
سويسرا تفرض حظراً على ارتداء النقاب

بدأت سويسرا رسميا اعتبارا من مطلع يناير 2025 في تطبيق قرار حظر ارتداء كل ما يغطي الوجه من ملابس، بما فيه النقاب والبرقع، في الأماكن العامة.

وصوت غالبية الناخبين في استفتاء شعبي تم في مارس 2021، لصالح المبادرة التي اقترحت حظر تغطية الوجه في الأماكن العامة بسويسرا، وتم تفعيل هذا الحظر على مستوى البلاد ويشمل النقاب وأي شكل آخر لتغطية الوجه بالكامل، باستثناء بعض الحالات مثل الأماكن الدينية أو لأسباب صحية (مثل ارتداء الكمامات أثناء جائحة كورونا).

وبحسب القرار فإنه سيتم مراقبة الامتثال من قبل السلطات المحلية لتنفيذه، ويعاقب القانون انتهاك الحظر بغرامة مالية تتراوح قدرها من 100 إلى 1000 فرنك سويسري (من 110 دولارات إلى 1100 دولار)، ويشمل الحظر جميع الأماكن العامة، مثل الشوارع، والمواصلات العامة، والمتاحف، والمتاجر، ويستثنى من ذلك دور العبادة والأماكن المخصصة للممارسات الدينية.

ويهدف القرار إلى تعزيز الأمن العام ومبدأ المساواة بين الجنسين، إلا أنه أثار جدلاً واسعا في عموم البلاد، حيث يرى مؤيدوه أنه يساهم في الحفاظ على الثقافة السويسرية ويحد من التطرف، بينما يعتبره منتقدون تمييزاً ضد المسلمين والمسلمات، خصوصاً أن النقاب يرتديه عدد قليل جداً من النساء في سويسرا.

وفي السابق، كان هذا الإجراء يطبق فقط على المستوى الإقليمي في كانتوني سانت غالن وتيتشينو (دويلتان صغيرتان داخل الكونفدرالية السويسرية)، إضافة إلى الملابس التي يرتديها المسلمون، مثل النقاب والبرقع، يشمل الحظر كذلك الأقنعة التي يرتديها مشجعو كرة القدم.  

وتبلغ نسبة المسلمين في سويسرا حوالي 5 بالمئة من تعداد السكان البالغ 8.6 مليون نسمة، ومعظمهم من تركيا والبوسنة وكوسوفو، وتقدر نسبة النساء اللاتي يرتدينَّ النقاب بالعشرات فقط، بين نحو 400 ألف مسلم يعيش في البلد الأوروبي.

وبهذا القرار تنضم سويسرا إلى دول أوروبية أخرى مثل فرنسا، وبلجيكا، والنمسا، والدنمارك، وهولندا التي سبق وفرضت حظرًا مشابهًا على تغطية الوجه في الأماكن العامة، غير أنه من المتوقع أن يؤثر قرار الحظر على السياح القادمين من دول الخليج العربي.

ويبلغ عدد السياح القادمين من الدول الخليجية للسياحة في سويسرا أكثر من 300 ألف خلال النصف الأول من العام 2024، بزيادة قدرها نحو 27 بالمئة مقارنة بعام 2023.

التزام قانوني

بدوره يرى الخبير في الشؤون الأوروبية والدولية الفرنسي، بيير لويس ريموند، أهمية الالتزام بتطبيق قرار حظر النقاب في سويسرا، قائلا: "الوضع مرتبط بطبيعة الدستور السويسري الذي يعتمد على التصويت في الاستفتاءات، وهذا ما تم قبل سنوات في سويسرا بخصوص استخدام مكبرات الصوت لرفع الأذان".

وأوضح ريموند في تصريح لـ"جسور بوست" أن "المعيار الذي تم اعتماده الآن هو القانون الدولي وهو أمر مختلف، وطالما أن القانون الدولي هو الذي يتم تفعيله فهو يلزم المواطنين بالامتثال له، كما يمكنه معارضته وهذا يدخل في نطاق ممارسة حرية الرأي، لكن عمليا هو القانون الذي يجب أن يطبق".

وأضاف: "لعلنا نتذكر قبل سنوات بفرنسا في حظر الحجاب بالمدارس، كيف أوضح إمام الأزهر الأسبق محمد سيد طنطاوي في عام 2003، أن قانون الجمهورية الفرنسية هو الذي يجب أن يطبق في هذا الموضوع، فإذا كان قانون الجمهورية الفرنسية يحظر ارتداء الحجاب في المدرسة وباقي مرافق الخدمة العمومية فيجب أن يطبق".

وأكد الخبير الفرنسي أن الاتساع في المنع ليس واردا الآن، لأن توسع الرفض لتطبيق القرار يتوقف على قدرة سويسرا على تنفيذ أمرين، أولها تأكيد أن القانون المعتمد هو الذي يجب أن يطبق لضمان التعايش بين الأفراد، والثاني هو تفعيل المنظومة القانونية وقواها الأمنية لمنع أي تجاوزات.

ومضى بيير لويس ريموند قائلا: "في الدول الأوروبية الأخرى التي تحظر النقاب يتوقف الأمر على مكافحة شتى أنواع التطرف بمختلف أشكاله، كما أنه من الضروري تقديم توضيحات تنويرية عن الموروث الحضاري الإسلامي، وبيان أن التطرف هو أكبر عدو للدين".

انتهاك للحريات 

في المقابل أعرب الحقوقي الدولي عبدالمجيد مراري، مدير قسم الشرق الأوسط وإفريقيا في منظمة "أفدي" الدولية لحقوق الإنسان (غير حكومية، مقرها فرنسا) عن رفض قرار سابق اتخذته الحكومة الفرنسية بحظر النقاب، رغم الموقف الرافض من ارتداء النساء للنقاب بشكل عام.

وأوضح مراري في تصريح لـ"جسور بوست" قائلا: "على المستوى الحقوقي ليس من حق أحد أن يتدخل في حياة أي إنسان أو اختياراته أو تحديد ملابسه أو انتماءاته أو عقائده، لأن هذا بشكل عام ضد القانون الدولي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان".

وأضاف: "ما فعلته سويسرا مؤخراً ومن قبل فرنسا وبلجيكا والدنمارك وهولندا وغيرها غير منسجم مع القوانين الأوروبية التي تتحدث عن احترام الحريات الشخصية"، مشددا على أنه ليس من حق أحد أن يتدخل في طبيعة اختيارات النساء لملابسها طالما ذلك لم يهدد الأمن والسلم أو يشكل خطرا على المواطنين.

وأعرب الخبير الدولي عن مخاوفه من انتقال عدوى الحظر في الدول الأوروبية مع تنامي التيار اليميني المتطرف، مشيرا إلى أنه ملاحظ في عام 2024 أن هناك تضييقات على الحريات الدينية للمسلمين بأوروبا، وهذه إجراءات تعكس تنامي "الإسلاموفوبيا" وتخالف القوانين الأوروبية التي تحترم حقوق الإنسان.

ودعا مراري، المجتمع الأوروبي إلى إعادة النظر في تلك السياسات اليمينية المتطرفة، وعدم السماح بسيطرة فئة معنية لا تمثل أوروبا، أو القيم التي بينت عليها أن تستمر في مخالفة القانون الدولي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

كما حذر من تطبيق حظر النقاب وغيره من التضييقات على الحريات الشخصية والدينية للمسلمين، والذي من شأنه أن يذهب بأوروبا لمنحى خطير يدفعها له التيار اليميني المتطرف الذي يتبنى سياسات بعيدة تماما عن قيم التعايش واحترام الآخر والتعددية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية